هل تخاف التقدم في العُمر؟
قصة "التساؤل عن المستقبل":
في قرية نائية، كان يعيش رجل مسن يدعى أبو سعيد، وهو شخص محبوب بين جيرانه وأصدقائه. كان أبو سعيد في السبعين من عمره، وكان دائمًا ما يشع بابتسامة واسعة لا تفارقه، حتى في أصعب الأوقات. لكن مع تقدم العمر، بدأ يشعر بتغيير عميق في نفسه. هذا التغيير لم يكن جسديًا فقط، بل كان عقليًا وروحيًا، وكأن الزمن بدأ يترك أثره عليه بطريقة غير مرئية، حتى أنه بدأ يتساءل: "هل أنا في ذروة حياتي أم أنني في نهايتها؟"
كانت تلك التساؤلات تدور في ذهنه بشكل مستمر، مثل كرة ثلج تتدحرج إلى أسفل الجبل وتكبر كلما مر الوقت. بدأ أبو سعيد يشعر بشيء من الخوف، ليس فقط من فقدان صحته أو قوته، بل من فكرة فقدان استقلاليته وقدرته على العيش بمفرده. بدأ يتساءل عما إذا كان سيظل قادرًا على العيش بحرية تامة أو سيعتمد على الآخرين في المستقبل.
كان لديه صديق مقرب يُدعى حسن، وهو رجل في نفس سنه تقريبًا، لكنه كان ينظر إلى الحياة من منظور مختلف. حسن كان دائمًا ما يردد أنه لا شيء في الحياة يمكن أن يمنعه من الاستمتاع بالسنوات المتبقية له، رغم كبر سنه. كان يحافظ على صحته، ويمارس الرياضة بانتظام، ويستمتع بالأشياء الصغيرة في الحياة. ومع ذلك، لم يكن أبو سعيد قادرًا على رؤية الأمور بنفس الطريقة.
الخوف من فقدان الجاذبية الجنسية
في أحد الأيام، بينما كان أبو سعيد وحسن يجلسان في المقهي، بدأ الحديث يتجه إلى الخوف من التقدم في العمر. قال حسن، مبتسمًا: "أعلم أن هذا يبدو غريبًا، لكنني في بعض الأحيان أشعر أنني لا أزال في أوج قوتي. أعني، في المرة الأخيرة التي ذهبت فيها إلى السوق، كان بائع الفاكهة يشيد بي، ويقول لي إنني أبدو شابًا. هذا يجعلني أشعر أنني لا زلت على قيد الحياة وأمتلك طاقتي."
لكن أبو سعيد نظر إلى الأرض، وقال بصوت منخفض: "لا أعتقد أنني سأنعم بذلك في المستقبل. العمر يأخذ منا الكثير، ومن بين الأشياء التي يخطفها منا، ربما تكون أهمها جاذبيتنا الجنسية."
هنا، توقف حسن عن الحديث للحظة، وأشار إلى أبو سعيد قائلاً: "هل تعتقد حقًا أن العمر يمنعنا من الاستمتاع بالحياة؟ الجاذبية ليست فقط في الشكل الجسدي، بل في روح الشخص. عندما تكون لدينا الثقة بالنفس، نحتفظ بجاذبيتنا في أعين الآخرين."
لكن أبو سعيد لم يكن مقتنعًا. "نعم، هذا قد يكون صحيحًا في بعض الحالات، لكن الخوف من فقدان الجاذبية مع تقدم العمر يظل يطاردنا. لا أحد يحب فكرة أن يصبح غير مرئي أو أن يفقد تلك الروح الحيوية التي كانت تمنحه القوة في شبابه. لا أحد يحب فكرة أن يصبح قديمًا جدًا ليشعر بالإعجاب أو الجذب من الآخرين."
الخوف من فقدان الحرية
مرت الأيام، وظل أبو سعيد يفكر في كلامه. ثم جاء يوم آخر عندما كان يجلس مع أصدقائه في الحديقة، وأشار إلى بعض الأشخاص الأكبر سنًا الذين كانوا يجلسون في الزوايا الهادئة. قال: "انظروا إلى هؤلاء الأشخاص. حياتهم أصبحت محدودة بشكل كبير. لا يمكنهم حتى الذهاب إلى أي مكان دون أن يحتاجوا إلى مساعدة."
هنا، تدخل خالد، وهو صديق آخر لأبو سعيد، قائلاً: "أنت محق، لكن هذا الخوف من فقدان الحرية ليس حقيقيًا تمامًا. نعم، نحن نكبر، وقد نفقد بعض قدراتنا الجسدية، ولكن هل يعني ذلك أننا فقدنا حقًا استقلالنا؟"
صمت أبو سعيد لحظة، ثم قال: "لا أعرف... ربما. لكن فكرة أنني قد أضطر للاعتماد على الآخرين في كل شيء، حتى في أبسط الأمور مثل الذهاب للتسوق أو تناول الطعام، تخيفني."
كان خالد يُدرك تمامًا معاناة أبو سعيد، فقال له: "قد تكون قديمة، ولكن هذا لا يعني أنك قد فقدت روح المبادرة أو أن خيالك قد ذهب. نحن نعيش في عالم يمكن فيه للأشخاص الكبار في السن أن يكونوا حيويين، خاصة إذا كانوا مازالوا يملكون الأمل والطاقة الداخلية. في بعض الأحيان، قد نضطر إلى تعديل أسلوب حياتنا بسبب الجسد، لكن لا يعني ذلك أن روحنا تتغير."
السن وتغيير الروح
بينما استمر الحديث في الحديقة، بدأت التساؤلات تتعمق في ذهن أبو سعيد: "هل العمر حقًا هو من يحدد قدرتنا على التمتع بالحياة؟ هل الروح هي التي تحدد شبابنا أكثر من جسدنا؟"
بينما كان أبو سعيد يُفكر في هذه الأسئلة، لاحظ شيئًا غريبًا. بدأ يلاحظ كيف أن المجتمع يربط بين التقدم في السن وفقدان القيمة. كان يرى كيف أن الناس في سنه أو حتى أكبر يبدأون في العزلة، ويشعرون بأنهم قد أصبحوا عبئًا على الآخرين. كان يرى ذلك في العديد من الأقارب والأصدقاء، لكن هذا لم يكن بالضرورة حقيقيًا.
ما أثار التساؤل في قلبه هو: "لماذا نعتقد أننا نتعثر مع تقدم السن؟ هل لأن السن مجرد عدد؟ أم أن قناعاتنا السلبية هي ما تشكل واقعنا؟"
حقيقة الشيخوخة: هل نحن فعلاً "نتعثر"؟
في الأيام التالية، بدأ أبو سعيد يلاحظ أشياء صغيرة، ربما كانت دائمًا هناك ولكنه لم يعطها انتباهًا من قبل. كان يرى الأشخاص الأكبر سنًا في المجتمع يستمتعون بالحياة على طريقتهم الخاصة، ويعيشون لحظاتهم بشكل مميز. كان يرى أناسًا يتعلمون مهارات جديدة، ويسافرون، ويتواصلون مع أجيال أصغر.
وتساءل: "ألم نكن جميعًا في يوم من الأيام شبابًا؟ إذاً لماذا نعتقد أن العمر يعني التوقف عن العيش؟"
ثم بدأ أبو سعيد في التفكير بشكل مختلف. ربما ليس العمر هو من يحدد قدرته على التمتع بالحياة، بل إرادته هو. ربما كان الناس يبالغون في خوفهم من المجهول، ويشوهون حقيقة أن أجمل سنوات حياتنا قد تكون في تلك الفترات التي نتعلم فيها أكثر، و نتأمل الحياة بشكل أعمق.
النهاية والتساؤلات المفتوحة
في النهاية، بدأ أبو سعيد يقتنع بأن التقدم في العمر ليس حتمًا نهاية لحياة مليئة بالإنجازات والفرح. ربما كان كل شيء يعتمد على التوجه العقلي للشخص. هل نختار التكيف مع الحياة مهما كانت التحديات؟ أم نقرر التوقف عن التقدم بسبب الخوف من المجهول؟
تأمل أبو سعيد في حياته، وتساءل: "هل سيستمر في الخوف من المستقبل؟ أم سيجد في كل يوم فرصة جديدة للتعلم والنمو؟" ولكن تبقى الإجابة في قلبه، مع مفتاح للإجابة يكمن في السؤال الأعمق: هل نحن فقط من نحدد مصيرنا؟

💬 رأيك يهمنا.
وش أكثر فكرة لمستك؟
اكتب تعليقك، يمكن تكون شرارة لتغيير جديد.👇