لقد تعرَّضَ الناسُ الذين تبيعهم للخداع مرَّاتٍ عدَّة، وهم الآن يعتقدون أنَّ جميعَ المسوقين يخدعونهم. الحقيقة هي أنَّك إنْ لم تكُنْ تحتلُّ موقعًا معروفًا جدًا في قطاعك، فأنت إذًا لا تبدأ عمليَّة البيع في منطقة حياديَّة، بل من منطقةٍ سلبيَّةٍ لزبائنك. حتَّى إنْ كنتَ تعمل بصورة أخلاقيَّة، فزبائنك المحتملون يُشكّكون في هذا، ولا يثقون بك. لسوء الحظّ، أنت مُذنبٌ حتَّى تثبُتَ براءتك، وعليك أن تشقَّ طريقك من المنطقة السلبيَّة نحو الإيجابيَّة، وأن تكسبَ ثقتَهم قبل حدوث الشراء.
إذا حسبنا أنَّ عدم وجود الثقة هو حاجزٌ أساسيٌّ للبيع، فعليك أن تجدّ بعضّ الاستراتيجيَّات المحكَمة لتحويل المبيعات.
هناك مدخلٌ آخرُ سيِّئُ على نحوِ مساوٍ تتَّخذه أعمالٌ جديدةٌ كثيرة، وهو توقُّعُ حدوث البيع فقط لأنَّ الشركة موجودة. بعضهم يفتح متجرًا، وآخرون يُنشِئون موقعًا، ويتوقَّعون أن تكونَ المبيعات صاروخيَّة. فاستراتيجيَّة تسويقهم هي الأمل. وبالتأكيد، سيحقّقون عددًا قليلًا من المبيعات كونهم موجودين عندما يقوم زبون مُحتملٌ عشوائيٌ بالتجوُّل بالقُرْبِ منهم. ولكنَّ هذا مسارٌ محتَمٌ للإحباط. والكثير من الأعمال تبيع فقط ما يكفي لإبقائهم معذَّبين حتَّى الموت. وفي النهاية يخلُصون إلى أنَّ الصناعةَ أو السوقَ تنافسيَّةٌ جدًا.
لا بدَّ من قَول الحقيقة. لست أعرف مجالًا أو سوقًا ليست فيهما تنافسيَّة. لكنَّ هناك أمرًا أعلمُه بصورةٍ مؤكَّدة: أنَّه مهما كانَتِ التنافسيَّةُ عاليةً في أيّة سوق أو صناعة، فلا بدَّ من وجودِ أحَدٍ ما يسير على نحوٍ جيِّدٍ جدًا، في حين يعاني آخَر.
فإذا كُنَّا صادقين مع أنفسنا، لا يُمكننا أن نلومَ السوق أو الصناعة. فما المشكلة إذًا ؟ المشكلة على الأرجح أنَّهم يُموضِعون أنفسَهم على أنَّهم سلعة، ومشروع من نوع مشاريع "أنا أيضًا»
عندما تتموضَعُ بهذه الطريقة، سيكون سلاحك التسويقيُّ الوحيدُ هو الصياح بأعلى صوتٍ ممكنٍ (وهذا مُكلف جدًا) أو أن تَخصم أسعارَك لأبعدَ مدى ممكن (وهذا خطير). ما لم تكن كوستكو (Costco)، أو ولمارت (Walmart) أو مشروعًا ضخمًا جدًّا مثل هذه المشاريع، فأنت حتمًا لا تُريد أن يكونَ السَّعر هو ما يُيِّزك. هذه معركة لن تربحَها.
في هذه المرحلة، يُدرك كثيرٌ من الأعمال حماقتهم، ويبدأون بالادِّعاءات المشكوك فيها وغير القابلة للقياس الكمِّيِّ مثل: "نحن الأفضل"، "الأحسن جودة" وما شابَه.
ليس هناك مالٌ في مُنتَجك أو خدمتك!
سواء كنتَ تبيع الخبزَ الطازج أم خدمات المحاسبة أم خدمات دعم تكنولوجيا المعلومات، سيكون للطريقة التي تسوَّق بها نفسك أكبرُ الأثر في العُملاء الذين تجذبهم، وفي السعر الذي ستتقاضاه منهم لقاء خدماتك. وهناك رأي سائدٌ مفاده: "المنتَج هو أهمُّ شيء"، فإذا كان لديك مُنتَج أو خدمة أفضل، سيميل الناس تلقائيًّا إلى الشراء منك، وسيدفعون أكثر.
مع أنَّ هذا صحيح إلى حدٍّ ما، فإنَّ قانون العوائد المتضائلة يلعب هنا دورًا حين يصلُ مُنتَجك أو خدمتك إلى مستوى "كافٍ جدًّا". في النهاية، كم يمكن أن تكون لخدمات تكنولوجيا المعلومات التي تقدِّمها أفضل من تلك التي يقدِّمها منافسوك؟ حالما تصل إلى مستوى ما من التنافسيَّة، يأتي الربح الحقيقيُّ من كيفيَّة تسويق نفسك.
كم من المال يجني عازف كمان عالميّ؟
يعتمد ذلك على كيفيَّة تسويقه لنفسه. هل سمعت من قبل بعازف يُدعى جوشوا بَل (Ioshua Bell)؟ هو واحدٌ من أبرع الموسيقيّين الكلاسيكيِّين في العالم. وهو يقدَّم حفلاته أمام جماهير بأعداد غفيرة حول العالم، ويجني نحو ١٠٠٠ دولار في الدقيقة. هو يعزفُ على كمان من صناعة ستراديڤاريوس (Stradivarius)
صُنعَ عام ١٧١٣م، حيث تُقدَّر قيمته الحاليَّة بنحو ٣,٥ مليون دولار. وهذا الكمان تحديدًا، والذي يُقارب عمره أكثر من ٣٠٠ عامًا، يُعرف بأنَّه الكمان الأجمل صوتًا في التاريخ.
لدينا إذًا هنا واحد من أبرع العازفين في العالم، ويعزف على الكمان الأجمل في العالم. من الصحيح القول إنَّ بَل، بوصفه عازفًا، هو الأفضل في المجال الذي يعمل به. وفي أوج تطوُّره المهنيِّ، خاطبته صحيفة واشنطن يوست (Washington Post) لإجراء تجرِبة اجتماعيَّة. فأرادوا منه العزف في محطَّة مترو الأنفاق مدَّة ساعة، حيث سيمرُّ آلاف الناس وسيسمعون ما يعزفه. وفي صباح ١٢ كانون ثاني / يناير ٢٠٠٧م، عزفَ بِل مجموعةً مُعدَّة مُسبَّقًا من الروائع الكلاسيكيَّة، وترك غطاء الكمان مفتوحًا. هل يمكنك أن تحزرَ كم جنى أعظم عازف في العالم وهو يعزف على الته المليونيَّة في غضون ساعة؟ ما مجموعه ٣٢ دولارًا فقط .
أعظم عازف كمان في العالم، وهو يعزف على الآلة الأجمل صوتًا، جمعَ فقط ٣٢ دولارًا من "زبائنه". العازف نفسه كان قد قدَّم عرضًا في قاعة بوسطن للحفلات الموسيقيَّة قبل بضع ليالٍ، وقد دفع الحضور ١٠٠ دولار أو أكثر للتذكرة الواحدة. وفي ذلك الحفل، جنى نحو ٦٠ ألف دولار في الساعة.
الموسيقيُّ الموهوب نفسه، عازف الموسيقا ذاتها مُستخدمًا الآلة نفسها، لكنَّه في الحالة الأولى جنى ٣٢ دولارًا في الساعة، وفي الثانية ٦٠ ألف دولار في الساعة. ما سببُ الفرق الهائل؟ والجواب في كلمة واحدة هو: التَّموضُع (Positioning).
إذا كُنت عازفًا مُحترفًا وتموضعت في عقل زبائنك بوصفك عازفًا متجوَّلًا في محطَّة مترو الأنفاق، فسيُعاملك "زبائنك" بهذا، ويدفعون لك بناءً عليه.
بالمقابل، إذا تموضعتَ بوصفك عازفًا مُحترفًا، فسوف تجذبُ نوعًا مختلفًا تمامًا من الزبائن. ومرَّة أُخرى، سيدفعون لك بناءً عليه. بمعنى آخر، سيأخذك الناس كما تُقيِّم نفسك، ما لم يثبُتْ عكس ذلك.
دون شكّ، لا يُمكنك الغشُ بأن تُموضعَ نفسك بوصفك عازفًا مُحترفًا، ثمَّ لا تعزفُ باحترافيَّة. ويصحُّ الأمر نفسه بغضِّ النظر عن مشروع الأعمال الذي تقوم به. إذا ما كان لديك مُنتَج أو خدمة بجودة عالية، فما الذي يمنعك من أن تُموضعها في درجة أعلى - أن تعرضها بسعر مرتفع، وأن تجذب نوعيَّة أعلى من الزبائن؟
اعقد العزم أن تتوقّف عن التموضع حاسبًا نفسك سلعةً، والتنافُس فقط على أساس السعر. سيكون تأثير ذلك في الأرباح تأثيرًا استثنائيًّا.
أنت تحتاج لأنْ تتحوَّل إلى نموذج "عَلَّم، عَلَّم، عَلّم"؛ فبالتعليم تبني الثقة، وتُموضِعُ نفسك بوصفك خبيرًا، كما أنَّك بالتعليم تبني علاقات، وتجعل عمليّة البيع أسهل لكلّ من المشتري والبائع
كما ناقشنا في المقاله السابقة، بدلَ محاولة بيعهم مباشرةً منذ البدايات، عليك أوّلًا أن تعرضَ على قرَّائك شيئًا ما ذا قيمة، ويعلّمهم عن المشكلة التي يُعانونها، مثل تقرير مجَّانيّ أو مقابلة صوتيَّة مجَّانيَّة، أو مقطع فيديو مجَّانيّ، أو ندوة إلكترونيَّة. كلُّ هذه أدوات تعليميَّة في وُسعك استخدامها.
يُحقّق تأخير البيع أمرَين:
أوّلًا، يبدو بأنَّك تُعطي قبل أن تأخذ بوقتٍ طويل، ما يكسر مُقاومة البيع.
ثانيًا، تجعلك تظهرُ بمظهر المعلَّم والخبير في مجالك. فكّر في الأمر.
ممِن تُفضَّل الشراء: من مندوب مبيعات ضاغط يسيل لعابه على العمولة الآتية إليه أم من خبير مُعلّم يسعى إلى مصلحتك من قلبه، ويُريد مُساعدتك لحلَّ مشكلتك؟
عليك بالتوقف عن البيع، والبدء بالتعليم، وتقديم النُّصح والاستشارات إلى الزبائن المحتملين حول فوائد المُنتج، والخدمات التي تُقدَّمها مقارنة بالمنافسين في فئتك.
عليك قراءة الجملة السابقة مرَّة أُخرى، فقد تُساوي لك ثروة لا حقًا.
(الضمانات) فائقة الخيال
غالبا مانرى ملعقة التذوّق في محلَّ لبيع المثلَّجات (البوظة)، أدركتُ أخيرًا أنّنا كثيرًا
نحبُّ تجنْب المخاطر. فمشترو المثلَّجات المحتَمَلون يُبقون صفّ انتظارٍ طويلًا خلفهم وهم يتذوَّقون النكهات المُختلفة للبوظة بملاعق بلاستيكيَّة صغيرة. كلُّ هذا ليتحقَّقوا أنَّ نكهة البوظة التي سيطلبونها ويدفعوا ثمنها لن تُخيِّب ظنَّهم.
يمكن إلغاء تأثير المُخاطرة بالتعهُّد بضمان خياليَّ ، وهذا سيُبيِّن أنَّك ستخسرُ في حال لم يعمل المُنتَج أو الخدمة بالنسبة للزبون المُحتمل، في حين لن يخسروا هم. ويجب أن يكونَ هذا شيئًا قويًّا، ليس عاديًا ومملًا مثل "استرجع نقودك" أو "مع ضمان الرضى".
وجود شيءٍ تخسره في حال لم يعمل المُنتَج يُسهِّل مسار البيع، ويتخطَّى بسهولةٍ أجراس الإنذار في عقل زبونك المُحتمَل.
بعطيك مثال عملي:
إذا أردتَ الاستفادة من خدمات شركة تكنولوجيا معلومات، فما طبيعة الأمور التي يُمكن أن تُقلقك؟ هنا بعض الأشياء التي تخطر في الذهن على الفور:
هل سيُرسلون موظَفًا فنِّيًّا قليل الخبرة، حيث سيتكلَّمُ كلامًا كثيرًا عديم الفائدة لساعات، في حين يتعلَّم كيفيَّة إنجاز العمل في وقتٍ أدفعُ أنا فيه ثمنًا باهظًا مُقابل ذلك؟
هل سيحضرونَ عندما أحتاج بصورةٍ عاجلة للمساعدة؟
هل ستعود المشكلة التي سيحلَّونها مجدَّدًا؟
هل سيُربكونني بكلامهم التقنيِّ عندما أطلب تفسيرًا للعمل الذي أنجزوه أو العمل الذي أحتاج إليه؟
الكفالة التي تُلغي تأثير المخاطرة لمشروع أعمال كهذا قد تبدو كالآتي: "نحن نضمن لك أنَّ مستشارينا المعتمدين وذوي الخبرة لتكنولوجيا المعلومات سيُصلحون المشكلة التقنيَّة بحيث لا تعودُ ثانيةً. كما أنَّهم سيردُّون عليك في غضون خمس عشرة دقيقة، وسيتحدَّثون
وسيتحدَّثون إليك بلغة مفهومة. وإذا لم نفِ بأيٍّ من هذه الوعود، فإنَّنا نُصِرُّ على إبلاغنا بذلك، لنُعيدَ إليك ضعف مبلغ فاتورة الاستشارات". قارِنْ هذا بوَعدٍ ضعيفٍ وغامض مثل "مع ضمان الرضى".
كُنْ فعَالًا باستخدام هذا الأسلوب، يجب أن تتجنَّبَ الكلامَ الفارغَ الذي يستخدمه الجميع، مثل: مع ضمان الرضى أو الخدمة أو الجودة أو الاعتماديَّة. يجب أن يكون ضمانك مُحدَّدًا ومُتعلّقًا بمخاوف زبائنك أو شكوكهم بعمليَّة البيع.
مثلًا، إذا كنتَ في مجال مكافحة الحشرات، فزبائنك يريدون أن يعرفوا أنّ:
الحشراتِ لن تعودَ ثانية.
التقنيَّ لن يتركَ البيتَ مُتّسخًا.
العائلةَ وحيواناتُها الأليفة لن تتسمَّمَ من الموادَّ الكيمياويَّة المُستخدمة.
وعليه ، فضمانك الخياليَّ قد يكون شيئًا مثل :
"تحن نضمن أن يتخلَّصَ بيتك من النمل دون عودة، دون استخدام موادَّ كيمياويَّةٍ سامَّة، ثمّ سنتركُ البيتَ نظيفًا ومرتَّبًا كما وجدناه. وإذا لم تكُنْ سعيدًا بالخدمة المُقدَّمة، فنُصِرُّ أن تُبلغَنا بذلك، وسنُعيدُ إليك ضِعْفَ ما دفعت"
هل هذا النوع من الضمانات خَطِرٌ؟ كلَّا، إلَّا إذا كنتَ دائمًا تقوم بعملك على نحو سيّئ. أمَّا إذا كنت ملتزمًا أن تقدَّمَ الخدمةَ المتميِّزةَ لزبائنك، وعملتَ على تدريب موظَّفيك على ذلك، فالمخاطرة لا تُذكَرُ تقريبًا. والأهمُّ من هذا أيضًا أنَّ مخاطَرةَ زبائنك المحتملين هي صفر أيضًا، مًا يجعل إغلاق صفقة المبيعات أسهل بكثير. دون شكّ، قد يتطلَّب القانونُ منك تقديم ضمانات على جودة المنتَجات والخدمات التي تُقدَّمها في حال فشلتَ في تقديم ما تَعِدُ به. وفي حال وجود هذا المتطلَّبِ القانونيّ، فلماذا لا ترفعُ الرَّهانَ وتجعله ميّزةً تُروِّجُها في تسويقك؟
وهناك شيءٌ آخر يتعلَّق بالضمانات. ما دُمتَ تراعي الأخلاقَ في مشروعك، فإنَّ لديك على الأغلب كفالة. لكنَّك لا تستخدمها لمصلحتك في التسويق. فَلِمَ لا تتكلَّمُ بالفعل عن شيءٍ تقدِّمه؟ معظمُ الناس صادقون ولن يستغلُّوا الكفالات، لا سيَّما إذا تلقّوا الخدمات التي وُعدوا بها. وحتَّى بعد أن نضعَ في الحسبان الناس القلائلَ الذين يستغلُّونها، ستكون أنت في المقدِّمة؛ لأنَّ ضمان قويّ سيجذب زبائن أكثر من ضمان ضعيف وغامض.

💬 رأيك يهمنا.
وش أكثر فكرة لمستك؟
اكتب تعليقك، يمكن تكون شرارة لتغيير جديد.👇