تحفيز العميل بالتوصيات؟
لا تعتمدْ على الغداء المجَّانيّ
في كلَّ مرَّة يتحدث الين ديب إلى أصحاب المشاريع بكيفيَّة تسويق ذواتهم، تكون الإجابة الدائمة تقريبًا أنَّ "التسويق الشفهيّ" (Words of Mouth) هو الأسلوب الأساسيُّ، أو الوحيد، الذي يعتمدون عليه للتسويق. كان هذا يصدمُني في السابق، أمّا الآن صرتُ أتوقّع ذلك. وعندما أقول "التسويق الشفهيّ" هنا، فأنا أتحدَّث بشأن النوع الغائب حيث تأملُ أنَّك إذا أنجزتَ عملًا جيَّدًا، فسينتشر الخبر عنك، ويأتيك المزيد من الزبائن. لاحِظْ أنَّ عنوان هذا المقال ليس "اجلس وانتظِر التوصيات"، بل "تحفيز العميل بالتوصيات"".
ويعني هذا أنَّ جَعْلَ التوصيات تحدُثُ يحتاج منك إلى أمرٍ فعَّال. لكنَّ الكثير من أصحاب المشاريع يرونَ أنَّ التوصيات هي خارج نطاق سيطرتهم، وهي أمرٌ (يأملون أن) يحدث وحدَه. مع أنَّ كلام الناس الغائب هو أمرٌ رائع، فهو بطيء جدًّا، ولا يُمكن الاعتماد عليه لبناء المشاريع. لنفترض أنَّك قُمت بكلِّ شيء على نحوٍ صحيح، فقد يتطلَّبُ الأمر سنوات عدَّة، أو ربّما عقودًا، لبناء مشروع ناجح بالاعتماد على التسويق الشفهيَّ وحده.
فالاعتماد على مصدر واحد للزبائن هو أمرٌ خَطِرٌ جدًّا لكنْ إنْ كُنتَ لا تستطيعُ التحكُّم في ذلك المصدر، فهذا يُضاعِفُ المشكلة.
التسويق الشفهيُّ هو المرادف في عالم الأعمال للغداء المجَّانيّ. بالتأكيد، من اللُّطف إنْ أتى في طريقك وأحبَبْتَه، لكنْ هل تُريد الاعتمادَ عليه لتُغذِّي نفسك وعائلتك؟ بالاعتماد فقط على التسويق الشفهيِّ، فأنت تضعُ قَدْرَ مشروع أعمالك في أيدي الآخرين، أملًا أنَّهم سيتذكَّرونك ويحبُّونك بما يكفي ليُرسلوا إليك الزبائن بصورة دائمة.
وهذا أسلوبٌ خطيرٌ جدًّا للاعتماد عليه. إذا كان شبيهًا بما تقوم به الآن في أعمالك، فقد حان الوقت لتبدأ ببناء نظام تسويقيٍّ لإحالة التوصيات. تحتاج لأن تُنسَّقَ التوصيات وتُحفّزها بصورة نَشِطة، لا أن تعتمدَ على الأمل، وتنتظر أن تحدُثَ وحدَها.
من المهمِّ فَهْمُ السيكولوجيا وراء تسويق التوصيات قبل أن نغوصَ في التكتيكات المحدَّدة. فكْر في المرَّة الأخيرة التي أوصَيتَ فيها بمطعم أو بفيلم لأحد أصدقائك. هل فعلتَ ذلك من باب المعروف لمالك المطعم أو لصاحب سلسلة صالات السينما؟ لا أعتقد ذلك. في الغالب، رغبتَ لصديقك أن يخوضَ تجرِبةً رائعة. أوصَيتَ لأنَّك أردتَ أن تشعرَ وتظهر بمظهر جيِّد. وهذا هو تمامًا المبدأ الذي نريد استخدامه في تسويق التوصيات، لكنْ بدلَ الانتظار والأمل بأن يكتشفَنا أحدُهم ويشاركنا للآخرين، نُريد أن نُنسَّق العمليّة ونُحفّزها. نريد أن نجعلَها مقصودةً على نحو أكبر ممَّا يُمكننا الاعتماد عليها.
عندما تسال ستاخذ!
أتذكُرُ أعظم رجل مبيعات في العالم، جو جيرارد، الذي قدَّمناه في المقال الخامس؟ جزءٌ من سبب البدء بإرسال بطاقات المعايدة إلى عملائه شهريًّا كان نتيجةً
بعد حضوره لمأتم كاثوليكيّ، نظر إلى دفتر الزوَار، وعدَ الناس الذين وقّعوا في كلّ مأتم. لاحِظ أنَّ الرقم كان، في المعدَّل، ٢٥٠ شخصًا تقريبًا. لاحقًا، باع سيَّارةً للرجل الذي يُدير عملًا لخدمات المآتم، وسأله بعد إتمام صفقة السيَّارة عن عدد الناس، بالمعدل، الذين يحضرون المآتم التي كان يُحضَّرها. وكان ردُّ الرجل "٢٥٠ تقريبًا" .
وفي مرَّة أخرى كان جو وزوجته يحضران حفل زفاف، وسأل مالك شركة خدمات الأعراس عن معدَّل ضيوف العرس، فكان الجواب: ٢٥٠٠ من أهل العروس، و ٢٥٠ من أهل العريس". وهنا أيقن جو أنَّ أغلب الناس لديهم ٢٥٠ شخصًا مهمِّين، في حياتهم على نحو يجعلُهم يدعونَهم إلى زفاف أو مأتم.
ومن هنا اكتشف أنَّ كلَّ شخص يعقد معه صفقة يُمثَّل ٢٥٠ توصية مُحتملة إذا ما قام بعمله بطريقة رائعة، أو ٢٥٠ عدوًّا إذا ما عملَ بطريقة سيِّئة. وعليه، بدأ ببناء العلاقات بدلَ التفكير بطريقة عقد الصفقات وبيع السيَّارات فقط. أحد الأمور التي أجراها هو المتابعة مع الزبائن الجدد، وسؤالهم عن رأيهم في سيَّاراتهم الجديدة. إذا كانت تسير على ما يُرام، يطلبُ التوصية به. وإذا لم تكن كذلك، يُصلحُ المشكلةَ ثمَّ يطلب إليهم أن يوصوا به.
ويدفعنا هذا إلى الحديث بإحدى أهمّ الاستراتيجيَّات للحصول على ما تريد في مشروع أعمالك، وفي الحياة عمومًا- ليس عليك سوى أن تسأل.
ينتظر الكثير من الناس أن يجريَ اكتشافهم، وأن يقعَ عليهم الاختيار، وينتظرون أن يوصي الآخرون بهم. أنت رياديٌّ، ما يعني أنَّك تُقوم بفعل الأشياء لنفسك. يجب ألَّا تنتظر أن تحدث الأشياء وحدها. وبينما تضع هذا في الحسبان، من أفضل الطرق للحصول على التوصيات هو بطلبها مباشرةً وبوضوح من الزبائن الذين قدَّمت إليهم نتائج جيَّدة.
مثال:
من المدهش عدد أصحاب الشركات الذين يأملون بالحصول على التوصيات رغم أنَّهم نادرًا ما يطلبونها. طلبٌ بسيط مثل :
حضرة الزبون المحترم،
كان من دواعي سرورنا العمل معك. إذا كنتَ تعرف أحدًا ما في وضعٍ مثيل لوضعك، فنودُّ أن نعطيه أحد بطاقات الهدايا التالية التي تخوله للحصول على تخفيض مقداره ١٠٠ دولار من رسوم الاستشارة الأولى. وأحد الأسباب التي تمكِّننا من خفض تكاليف خدمتنا هي أنَّ الكثير من زبائننا يأتون بسبب الحصول على توصيات من أُناس مثل حضرتك.
أترى ماذا يحدث هنا؟
- نحن نعترف بهم ونعبِّر عن شكرنا لهم، كما نخاطبُ غرورَهم. يُحبُّ الناس الاعتراف بهم.
- نحن لا نطلبُ معروفًا، بل نقدِّمُ شيئًا ذا قيمة يمكنهم إعطاؤه لفرد ما ضمن شبكة معارفهم.
- نحن نعطيهم سببًا ليوصوا بنا- وهو سببٌ له منفعة مباشرة لهم.
بوَضْع نظام للحصول على توصيات، نزيد كثيرًا من إمكانيّة الاعتماد على التسويق الشفهيّ. ورُغم أنَّه لن يوصي بنا الجميع، فكثيرون سيفعلون ذلك، وبالتأكيد هذا أفضل من الأمل والانتظار.
في تدريبات الإسعاف الأوَّليَّة، يدرَّبونك على إعطاء أوامرَ محدَّدة لأشخاص محدَّدين في الحشد. فيعلّمونك ألا تُنادي: "ليتَّصل أحَدُكم بالإسعاف" أو "ليُحضر أحدٌ ما غِطاءً". فكما قلنا سابقًا، أحدٌ ما هو شخصٌ آخر ولا يعنينا شخصيًّا. بدلَ هذا، يعلِّمونك أن تتوجَّه إلى شخص مُحدَّد وتعطيَه تعليمات مُحدَّدة. فتتوجَّه إلى الرجل ذي القبَّعة الخضراء وتقول : "أنت، اتَّصل بالإسعاف"، وتتوجَّه إلى المرأة التي ترتدي الأصفر وتقول : "أنتِ، أحضري غِطاء»
وينطبقُ الأمر نفسه على التوصيات. فعليك أن تكونَ محدَّدًا جدًّا في طلب التوصية؛ فهذا يزيد كثيرًا احتمالات حدوثها.
ولفهم أفضل لكيفيَّة حدوث التوصيات، يجب أن نفهمَ أنَّ كلَّ التوصيات تحدث في أثناء محادثةِ شخصَين أو أكثر. وعند وقوع هذه المحادثات، يجب وقوع ثلاثة أمورٍ كي يوصي أحدُهم بك :
- يجب أن يُلاحظوا أنَّ المحادثة تتعلّق بالعمل الذي تؤدِّيه.
- يجب أن يُفكّروا فيك .
- يجب أن يُقدِّموك إلى الشخص الذي يتحدَّثون إليه.
مثلًا، إن كُنتَ مُخطَّطًا ماليًّا، فلا تطلُبْ توصيةً ضبابيَّة وفضفاضة مثل : "إذا سمعت عن شخص ما يحتاج إلى الحديث مع مُخطط ماليّ، فأرجو أن توصي بي".
أوّلًا، لا أحد يحتاجُ إلى مُخطط ماليّ؛ بل يحتاجون إلى حلَّ لمشكلة مُحددة يُمكن أن يتعامَلَ المُخطَّطُ الماليّ معها لأجلهم. مثلًا، قد يكونون على وشك التقاعد، ويريدون التحقّق أنَّه سيكون لديهم المال للعيش براحة في سنوات تقاعدهم. لذا عليك البدء بمشكلة محدَّدة لدى زبائنك المحتملين يمكنك حلُّها.
بعد ذلك، عليك التفكير في مَن يمكن أن يوصي بك. لذا يجب أن تبحثَ في قاعدة بيانات عملائك، وستلاحظ أنَّ لديك وكلاء عقارات عدَّة في سجلاتك. من المنطقيّ الافتراض أنَّ مَن أوشك على التقاعد سيفكّر في شراء منزل أصغر. فربّما كبر أبناؤهم أو ذهبوا للدراسة وتركوا المنزل. فهُمُ الآن في منزلٍ كبير نسبيًّا، وهناك الكثير من التدبير، لذا فهُمْ يفكّرون في البيع والبحث عن منزلٍ أصغر بقليل بحاجات ومتطلَّباتٍ أقلّ.
أخيرًا، ربّما وقعتْ مناسبةً محلَّيَّةٌ أو قوميَّة، تدفع هذه الفئة من الناس إلى التقاعد أو التفكير في التقاعد. قد يكون ذلك كأن تُغلق شركة عالميَّة مصانعها المحلِّيَّة، أو أن يقعَ تغيير ما في التشريعات المتعلَّقة بالتقاعد.
تستطيع الآن أن تكون مُحدَّدًا بدقَّة أكبر. ربّما تُرسلُ بريدًا إلكترونيّا للعملاء الستَّة الذين يعمَلون في العقارات، وتقول لهم شيئًا مثل:
مرحبًا ألَن،
إذا كان لديك أيُّ شخص يريد أن يبيعَ أو يشتري عقارًا أو شارف على التقاعد، فأنا لديَّ شيء أعتقدُ أنَّه قد يُساعده. لقد أعددتُ لك تقريرًا خاصًا عنوانه "المفاتيح السبعة لضَمان تقاعدٍ مُموَّل بالكامل". وإذا كنتَ تعرفُ أيَّ شخصٍ يمكنه الاستفادة من هذا، أرجو أن تكتبَ لي أو تتَّصل بي. وسأرسلُ
نسخةً من التقرير لتمريرها إليهم.
أترى ما الذي حدث هنا؟
أوَّلا، أنت مُحدَّد جدًّا في مَن تطلبُ منهم التوصية،
وكذلك محدَّد بنوع التوصية التي تريد الحصول عليها.
ثانيًا، أنت تربطُ نفسَك بحالة يُمكنُ أن تُحفِّز أحد المُحتاجين إلى خدمتك .
ثالثًا، أنت لا تسألُ عن توصية جافَّة، والتي يعطي الموصي بك رقمك لعملائه أو يُعطيك أرقام عُملائه. والسبب في أنَّك لا تُريد ذلك هو أنَّك لم تبنِ بعدُ الثقة مع الزبون المُحتمل. وربّما هم ليسوا جاهزين بعد للتحدُّث إلى أيَّ أحدٍ بعد.
أخيرًا، لقد هيَّأْتَ الوضعَ للمُوصي بك- في هذه الحالة الوكيل العقاريّ. إنّهم يُعطون القيمةَ لعُملائهم، ويُساعدونهم على حلّ مشكلة تدور على الأغلب في بالهم.
أترى كيف يمكن أن تُنسَّقَ التوصيات بدلَ انتظار الأمل بحدوثها؟

💬 رأيك يهمنا.
وش أكثر فكرة لمستك؟
اكتب تعليقك، يمكن تكون شرارة لتغيير جديد.👇