اضرار التفكير الزائد

 التفكير الزائد


عندما يصبح العقل عدواً

"الله يغفر لنا خطايانا، ولكن جهازنا العصبي لا يغفر لنا أبداً."

هذه المقولة الخالدة للفيلسوف ويليام جيمس تلخص جوهر مشكلة التفكير المفرط. إن عقلنا هو أثمن ما نملك، وهو مصنع الإبداع والحكمة، ولكن عندما نفقد السيطرة عليه، يمكن أن يصبح مصدراً للقلق والإرهاق.

الكثير من الشباب اليوم، خاصة في مرحلة العشرينيات، يجدون أنفسهم محاصرين بين الضغوطات والتوقعات: إنهاء الدراسة، إيجاد وظيفة، بناء مستقبل، وتلبية توقعات الأهل. هذه الضغوطات لا تتوقف، وغالباً ما تؤدي إلى حالة من القلق المزمن، وربما أمراضاً جسدية مثل أمراض القلب.

تذكر قصة الرجل الذي أراد استعارة طبق من جاره، لكن عقله المفرط في التفكير أخذ يتخيل سيناريوهات سلبية لم تحدث ولن تحدث، حتى وصل به الأمر إلى رفض ما كان يريده. هذا هو التفكير المفرط: ماكينة إبداع وتفكير أنت تستخدمها لإنشاء سيناريوهات لا وجود لها.

ما هو التفكير المفرط (Overthinking)؟

التفكير المفرط هو الانغماس في تحليل أمر معين، سواء كان واقعياً أو خيالياً، دون اتخاذ أي فعل بناء. إنه كعقل يضغط على دواسة الوقود بسرعة 220 كيلومتر في الساعة، يفكر في كل الاحتمالات والتفاصيل التي لم تحدث ولن تحدث، مما يؤدي إلى:

 * استنزاف الطاقة العقلية والجسدية.

 * الشعور بالقلق والإجهاد والخوف.

 * شلّ القدرة على اتخاذ القرارات أو الإنجاز.

هذه المشكلة ليست نادرة. أظهرت الأبحاث أن 73% من الشباب بين 25-35 عاماً يعانون من التفكير المفرط، حيث تشكل النساء نسبة 57% والرجال 43%.

صور وأسباب التفكير المفرط

يظهر التفكير المفرط في عدة صور شائعة:

 * اجترار الماضي: التفكير في الأخطاء السابقة وتخيل كيفية حلها بطرق مختلفة.

 * القلق من المستقبل: الخوف من المجهول وتخيل أسوأ السيناريوهات المحتملة.

 * تردد اتخاذ القرارات: التحليل المفرط للقرارات البسيطة والمعقدة على حد سواء.

أما عن أسبابه، فيمكن تلخيصها في:

 * السعي نحو المثالية (الكمال): اعتقاد أن كل شيء يجب أن يكون مثالياً، مما يؤدي إلى إهدار الوقت والطاقة.

 * شخصية غير مستقرة: الأشخاص الذين يعانون من ضعف الثقة بالنفس أو عدم الاستقرار العاطفي يكونون أكثر عرضة للتفكير المفرط.

 * التجارب المؤلمة: الأحداث الصادمة التي يصعب على العقل نسيانها.

التأثيرات المدمرة على الصحة

التفكير المفرط ليس مجرد عادة مزعجة، بل هو عامل خطر على الصحة الجسدية. أثبتت الدراسات أن الإجهاد المزمن الناتج عن التفكير المفرط يمكن أن يؤدي إلى أمراض مثل السكري، وارتفاع ضغط الدم، وقد يصل الأمر إلى تلف خلايا المخ والزهايمر.

نصائح للتغلب على التفكير المفرط

الوقاية خير من العلاج. لكي تتحكم في عقلك بدلاً من أن يسيطر عليك، اتبع هذه النصائح:

 * اعترف بالمشكلة: الخطوة الأولى نحو الحل هي الوعي. اعترف بأن لديك مشكلة التفكير المفرط، ثم تدرب على أن تكون واعياً بها في اللحظة التي تبدأ فيها بالوقوع في فخها.

 * اكتب أفكارك: عندما تبدأ في القلق، اكتب كل ما يقلقك. هذا يساعد على تفريغ الأفكار من عقلك إلى ورقة. بعد ذلك، حدد المشكلات التي يمكنك حلها، واكتب خطة عمل لكل واحدة.

 * اطلب المساعدة: لا تتردد في طلب المشورة من شخص تثق به. التحدث عن قلقك قد يمنحك منظوراً جديداً وحلاً لم تكن تراه.

 * تدرب على اتخاذ قرارات سريعة: في الأمور البسيطة، مثل اختيار ما تأكله أو ما ترتديه، تدرب على اتخاذ قرار سريع دون تفكير مفرط. هذا التمرين البسيط يغير من طريقة تفكيرك.

 * ركز على الحاضر: الماضي قد انتهى، والمستقبل بيد الله. لا تضيع حاضرك في التفكير فيما فات أو ما هو قادم. ركز على اللحظة الحالية واستمتع بها.

 * مارس الفعل: التفكير المفرط عدو للفعل. عندما تبدأ في القلق، قم بأي عمل بناء، حتى لو كان بسيطاً. الفعل هو أفضل دواء للتفكير المفرط.

وسائل الوقاية من التفكير المفرط

للحفاظ على عقل صحي، يجب أن تمنحه الراحة والغذاء المناسب:

 * خذ فترات راحة: لا تعمل تحت الضغط لفترة طويلة. خذ إجازات دورية، ومارس هواياتك، واختبر متعة الحياة.

 * ثق بالله وتوكل عليه: الإيمان بأن كل ما يحدث هو بإرادة الله يمنحك طمأنينة لا تقدر بثمن.

 * مارس اليوجا والتأمل: هذه الممارسات تساعد على تهدئة العقل وتصفية الذهن.

 * اهتم بصحتك الجسدية: مارس الرياضة بانتظام، وتناول طعاماً صحياً يحتوي على الأوميجا-3 لغذاء عقلك.

 * تجنب السلبية: ابعد عن الأشخاص السلبيين والأفكار المحبطة. اختر أصدقاءً إيجابيين يعينونك على النجاح.

 يومك كنزك

تذكر دائماً أن يومك هو كنزك. الماضي فات، والمستقبل في علم الغيب. ركز على حاضرك، استثمر في عقلك، واستمتع بحياتك. عندما تلاحظ أن عقلك يسير بسرعة 220 كيلومتراً في الساعة، اضغط على الفرامل، ذكر نفسك أن هذه الأفكار لا أساس لها، وتوكل على الله، وانشغل بأي عمل مفيد.

تعليقات